تحية للشاعر الألماني غونتر غراس

 Un Grand Salu à Gunter Grass

 

حين يخفت صوت الأدب والفن

يعلو صوت التطرف العنصري والطائفي

لم أفاجأ بجرأة الكاتب الألماني "غونتر غراس" في قصيدته المعنونة: "ما يجب أن يقال"، محذرا فيها من إشعال إسرائيل حربا مدمرة في الشرق الأوسط قد تتحول إلى حرب عالمية تأكل الأخضر واليابس. لم أفاجأ لأن كثيرا من الأدباء والفنانين الألمان وقفوا بشجاعة لا مثيل لها ضد ديكتاتورية هتلر إبان الحرب العالمية الثانية. لم يقبلوا أن يكونوا مجرد "كومبارس" في مسرحيته العنصرية النازية وأبواقا لسياسته في الهيمنة والتوسع. وقد دفع كثير منهم الثمن غاليا حيث اتهموا بخيانة الوطن والعمالة لأعدائه، فأعدم بعضهم وسجن آخرون ودمرت بيوتهم وشردت عائلاتهم.

ويرفض اليوم حامل جائزة نوبل "غونتر غراس" أن يكون الأدباء والفنانون مجرد كومبارس في مسرحية جديدة تخرجها إسرائيل هذه المرة لتقود العالم من جديد إلى حرب عالمية مدمرة، وتتهم كل من يعارضها وينتقد سياستها بالعداء للسامية. والحملة الدعائية التي شنتها الأبواق الإعلامية الصهيونية في ألمانيا وأوربا وأمريكا ضد هذا الكاتب تشبه إلى حد كبير الحملة التي كانت تشنها أجهزة "غوبلز" ضد الأدباء والفنانين الذين قاوموا السياسة النازية.

ليس هناك مجال للمقارنة في الأدب والفن بين ألمانيا الدولة المتقدمة وبين بلداننا التي مازالت في طريق النمو. فالمناخ عندنا ما زال غير ملائم لازدهار الفن بتلقائية وحرية، والأنظمة في بلداننا تعتبر الأدباء والفنانين أبواقا في خدمتها يسبحون بحمدها صباح مساء ويتنافسون في الحديث عن إنجازاتها الملموسة والوهمية ويتسابقون بحماس للفوز برضاها. وبعض الأدباء والفنانين يقبلون هذا الدور ويتقنونه ويساهمون عن وعي أو دون وعي بصناعة الديكتاتور.

ولا يعني هذا أننا شعوب قابلة للاستعمار أو الاستعباد كما يردد العنصريون المغرضون، فليس هناك شعب في العالم يقبل الظلم والاستعباد. وقد تحررت شعوبنا من الاستعمار بقوة الحديد والنار، وكانت ثورة الجزائر مثالا يحتذى في التضحية والإباء وفي عدد الشهداء وشارك الأدب والفن في هذه الثورات بل ومهد لها. وقد أسقطت الشعوب صدام حسين والقذافي وبن علي ومبارك وسوف تسقط بشار كما أسقطت هتلر وموسوليني وعيدي أمين وبوكاسا وغيرهم.

الآداب والفنون هما روح الشعوب المعبرة عن قيمها ووجدانها، والمعيار الحقيقي لحضارتها ورقيها، تنشر المحبة بين أبناء الوطن الواحد، وتقرب بين الشعوب وتحل الألفة بين الطوائف والتسامح بين الأديان. وحين يخفت صوت الأدب والفن تختل القيم، وتبرز النعرات العرقية والعنصرية، ويستفحل التعصب الديني والطائفي، وتسود "الشوفينية والجهوية. ويعلو صوت السياسيين المتطرفين ومعهم أبواقهم الإعلامية في خطاب ملتهب يشعل أوار الفتنة، ويطفئ نور العقل، فيصبح الشعب ـ أي شعب ـ جاهزا للدفاع الأعمى عن عقيدة تتمثل في فرد أو حزب قد يقودانه ويقودان الإنسانية إلى الهلاك والدمار. حدث هذا في الحربين العالميتين اللتين دمرتا أوربا والعالم، حيث ظهرت النازية في ألمانيا والفاشية في إيطاليا والشيوعية في روسيا والمكارثية في أمريكا.

تحية لك يا غونتر غراس لأنك أسمعت عاليا صوت الأدب والفن ضد حرب محتملة يخطط لها المتطرفون في إسرائيل. تحية لك لأن صوت التطرف والعنصرية بدأ يرتفع في أوربا وأمريكا وبدأ صوت الأدب والفن يخفت فيهما وربما تساهم صيحتك في إعلائه من جديد.

                                                                                                           عبد الله خمّار